ما هو الهدف من الخلق؟

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما تنظر إلى الوجود وترى كل هذه العظمة لله تعالى المتجلية في خلقه
يتساءل الإنسان لماذا خلقنا الله؟ كما في الآية “الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”(آل عمران:191) وهذا السؤال يُخطأ
الكثير في الإجابة عليه فتأتي بعض الأجوبة بــ “الجنة” أو “العبادة ثم
الجنة” والجواب الأكثر تضييعاً “لحكمة لا نعلمها” وكل هذه الأجوبة خاطئة أو
ليست بكاملة فالله سبحانه عظيم وجزائه أيضاً عظيم، سوف نتطرق في هذا
الموضوع ببيان الهدف العظيم لخلق الإنسان “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات:56).

• الهدف من خلق الإنسان
  

عندما تنظر في القرآن الكريم الذي “لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ”(فصلت:42) تلاحظ أن هناك أمر عظيم لأجله خُلق
الإنسان.. فمنها قوله تعالى”وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا بَاطِلاً”(ص:27) فهناك غاية لهذا الوجود أسمى بكثير من الجنة..
فكلمة دين معناها “الجزاء” أي هناك جزاء ولكن الله تعالى يجازي كل إنسان
على قدره، وقال الله تعالى أيضاً “إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
“(البقرة:30). ولكن من هذا المخلوق الذي يكون خليفة لرب الأرباب؟ نعم إنه
أنت أيها الإنسان "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء:17). وقال
الله تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ”
فالعبادة معناها الطاعة والعبادة ليست محصورة في الصيام والصلاة فقط لأن
الله تعالى قال “أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا
تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”(يس:60) العبادة
معناها الطاعة ولكن هل ستعبد من لا تعرفه؟ هل تضع نفسك بيد من لا تعرفه،
إذاً عندما تنظر في الآية بدقة في كلمة “ليعبدون” ستجد أن معناها الثانوي
هو "ليعرفون" فالمعرفة سبقت العبادة والعبادة صارت تبعاً للمعرفة إذ رأى
الإنسان جمال خالقه فقرر أن يعبده لأنه أهل للعبادة حقاً، فيهب الإنسان
نفسه لله تعالى. ولا تنسى قول الله تعالى بأفضلية رضاه على الجنة حين قال
"جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ
أَكْبَرُ) ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"(التوبة:72).

• الجزاء الحقيقي للإنسان
  

عندما يصل الإنسان إلى مرحلة “الولي” ومعناها الصديق بل وأشمل من كلمة
صديق لقوله تعالى “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”(فصلت:34) وهو
وانتفاء الوساطات أي قريب من الله بغير واسطة وهذه الدرجة كبيرة قليل من
وصولا لها إذ أن الله تعالى قريب ولكننا بعيدون ولكن في حالة "الولي" أنت
قريب والله أيضاً قريب، ولهم -أولياء الله- اوصاف في القرآن أيضاً سنعرضها
في موضوع مستقل، وقال الله تعالى “أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” وهنا أداة تنبيه “ألا” للفت
انتباه قارئ القرآن.. ومعنى الآية هنا أن الله ينصر أولياءه في الدنيا
والآخرة وأنهم لا يخشون شيئاً أو أحداً إلا الله ويصلون إلى حقيقة التوحيد
التي غفل عنها الكثير والتي مبدأها حب الله تعالى ورؤية الإنسان بقلبه أن
"لا مؤثر في الوجود إلا الله" (لا إله إلا الله).

والجزاء -استناداً لما مضى في الموضوع يكون- في الدنيا والآخرة بالنصر
والتأييد ومن جزاء الآخرة قوله عز وجل “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ”(القيامة:22،23) وليس النظر هنا بمعنى العين التي
في رؤوسنا بل بحقيقة الإيمان وهو ببصيرة القلب بكيفية لأن رؤية الله تعالى
بالعين منتفية لقوله تعالى لموسى عليه السلام “لَن تَرَانِي”
(الأعراف:143) وكلمة “لن” تفيد استحالة ذلك لأن الله تعالى هو مطلق الوجود
وغير متناهي “لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ
وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”(الأنعام:103) “وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ”.

والحمد لله رب العالمين
جعلنا الله وإياكم من أولياءه الصالحين والصفوة الصالحين بجوار النبيين والصديقين